بقلم د. طارق الغزالى حرب ٢٥/ ٤/ ٢٠٠٩
منذ سنوات عديدة وأنا لم أستخدم قطارات هيئة سكك حديد مصر، ولكننى فى الوقت نفسه أتابع ما يكتب فى الصحف من تصريحات لرؤساء الوزارات السابقين والوزراء المعنيين حول خطط ومشروعات تحسين الخدمة على خطوط السكك الحديدية، وعن استيراد عربات جديدة من جنسيات مختلفة.
فهذا مجرى وذاك إسبانى وآخر توربينى.. كما أننى كنت أتابع أيضاً ما أسمعه من مواطنين محترمين عن زيادة مطردة فى أسعار التذاكر، خاصة أولئك الذين تستدعى مناصبهم الوظيفية السفر بالدرجة الأولى.. وكنت دائماً - عن جهل أو حسن نية - أدافع عن ارتفاع ثمن التذاكر بالدرجات الفاخرة، والذى وصل إلى خمسين جنيهاً فى الذهاب أو العودة فقط، وهو بالتأكيد مبلغ كبير فى رحلة لا تتجاوز مدتها الساعتين، وفى ظل المستوى المعيشى للشعب المصرى الذى نعلمه جميعاً.. وكانت حجتى دوماً هى أنه من أراد أن يشترى لنفسه المتعة والراحة والخدمة المتميزة فى فترة سفره مهما صغر وقتها، فليدفع..
المهم أنه شاءت ظروفى أن أستقل القطار الإسبانى الذى ينعتونه بلفظ «الفاخر» فى رحلتى ذهاب وعودة من القاهرة للإسكندرية وبالعكس، لأرى وألمس مدى المتعة والراحة التى ينعم بها أولئك المترفون الذين يدفعون ما يؤمرون بدفعه.
لم ألتفت كثيراً إلى أن ظهر الكرسى، الذى كان حظّى الجلوس عليه، لا يعمل بطريقة أوتوماتيكية بمجرد الضغط على المكان المخصص لذلك، وإنما احتاج الأمر إلى تدخل يدوى لوضعه فى الوضع المريح للجالس.
. كذلك لم أغضب كثيراً لقذارة زجاج النوافذ وعطل الستائر البلاستيكية التى تغطيه، ولا لمستوى النظافة والإضاءة بالعربة.. إلى أن شعرت بالحاجة إلى الذهاب لدورة مياه العربة التى توصف بالأولى الفاخرة.. حيث شعرت ساعتها فقط بأننى وقعت ضحية لحالة نصب أو استغفال أو بلطجة.. قل ما شئت.. فدورة المياه تنبعث منها رائحة تزكم الأنوف، حتى قبل أن تصل إليها، تذكرك بالروائح التى تشمها عندما تسير تحت كوبرى أكتوبر بوسط القاهرة..
والمكان من الداخل غاية فى القذارة ومظاهر سوء الاستخدام والإهمال.. وباب دورة المياه لا ينغلق بسهولة ويحتاج محاولات عديدة حتى ينغلق.. وإذا انغلق الباب فإن ترباسه لا يعمل، وبالتالى فإنك مضطر إلى أن تظل تسنده بيدك أو بقدمك، وتستمر فى مقاومة من يحاولون دفع الباب كل حين، حيث ليست هناك علامة تشير إلى أن أحداً بالداخل أم لا..
والمياه عبارة عن سرسوب ضعيف، تحتاج إلى ضغط قوى من يدك لتحصل عليه فى الوقت الذى تكون فيه يدك الثانية مشغولة بصد محاولات من يحاولون دفع الباب للدخول عليك.. ورائحة المكان بصفة عامة تجعلك تكره حياتك كلها، وتكره اليوم الذى قررت فيه أن تستقل فى مصر قطاراً.. مهما كان وصفه فاخراً أو عادياً، ومهما كانت جنسيته مجرياً أو إسبانياً أو فرنسياً..
ففى ظل مناخ من التسيب والإهمال وانعدام الضمير وفساد الإدارة وغيبة القانون وقصور المتابعة، يستوى كل شىء.. فلا تعرف فرقاً بين الدرجة العادية والفاخرة، ولا بين التوربينى والقشاش! إنى فقط أريد أن أعرف إجابة عن سؤال بسيط من السادة المسؤولين عن هذه الهيئة: لقد دفعت صاغراً ما أمرتم به من ثمن أراه باهظاً لرحلة تستغرق ساعتين من الزمن..
فلماذا أقبل ما حصلت عليه مقابل ذلك من قرف وهوان وعذاب؟ وبماذا يمكن أن نسمى هذا النهج فى التعامل مع الشعب المصرى والذى تتبناه حكومات متعاقبة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، يقوم على احتقار هذا الشعب، وحرمانه من حقوق أساسية فى العيش فى بيئة إنسانية نظيفة، فى الوقت الذى لا يتوانون فيه عن أخذ كل ما يريدونه منه بالقسر والجباية بل وبالسرقة أحياناً؟
هل نطمع فى أن يقوم وزير النقل برحلة مفاجئة على أحد قطارات وزارته إلى الإسكندرية يوماً ما، وأن يزور دورة مياه إحدى عرباته الفاخرة؟ وإذا كان الحال كذلك فى هذا القطار الفاخر، وفى رحلة قصيرة الزمن، فما يا ترى الحال فى قطار الصعيد الذى يركبه فقراء مصر فى رحلات تستغرق اليوم بكامله؟ ربما يتذكر البعض حادث سقوط راكبة من فتحة التواليت بأحد قطارات الصعيد منذ سنوات قليلة، والذى ظل الناس يتندرون به لفترة طويلة ثم نسوه، لأن التى سقطت وماتت كانت واحدة من فقراء الشعب المصرى الذى لا حول له ولا قوة..
ولكننى أبشركم بعد ما شاهدته فى القطار الفاخر، فإنه من المحتمل أن نسمع عن حادثة مماثلة قريباً، ولكنها ستقلب الدنيا على رؤوس كل مسؤولى هذه الهيئة، لأن الضحية سيكون فى الغالب سائحاً أو شخصية كبيرة.. وعجبى.
[i]
الخميس أبريل 15, 2010 2:22 pm من طرف hamada
» كريم عبدالعزيز:اشتقت لجمهورى
الإثنين أبريل 05, 2010 2:42 am من طرف hamada
» الوجه الجديد نهلة ذكي.. هل تتزوج المنتج محمد السبكي
الإثنين أبريل 05, 2010 2:41 am من طرف hamada
» الديلر" يعرض في شهر أبريل
الإثنين أبريل 05, 2010 2:40 am من طرف hamada
» العــدل أســاس الملك ..!!
الخميس أبريل 01, 2010 3:10 am من طرف reem
» الهرمونات الزراعيه الاسرائيليه تغزو الأسماعيليه!!!
الأربعاء مارس 31, 2010 2:43 pm من طرف reem
» الفرق بيننا وبينهم نقطة(الشيخ عايض القرني)
الأربعاء مارس 31, 2010 2:01 pm من طرف reem
» مسيلمة الكذاب و ادعاء النبوة
الأربعاء مارس 31, 2010 1:05 pm من طرف reem
» الرئيس البرازيلى: رونالدينهو لا يستحق أن يلعب فى كأس العالم
الأحد مارس 14, 2010 7:14 pm من طرف hamada