بقلم أسامة هيكل ٢٥/ ٤/ ٢٠٠٩
عادت سيناء إلى الوطن بعد احتلال دام ١٥ عامًا.. ويبدو أن الوطن اطمأن لمبيت سيناء فى حضنه كل ليلة، وارتاح وملأ بطنه ببطيخة صيفى من ناحيتها، وكأن واجبه انتهى نحوها بإعادتها بين ذراعيه.. والوطن لا ينسى أبدًا ذكرى عودة سيناء فى ٢٥ أبريل من كل عام.. فيقيم الأفراح، ويعلق الزينات، وتتعالى الأصوات بالغناء لسيناء التى رجعت كاملة لينا، ويعرض الوطن أيضا أفلامًا وطنية، وتستمر الاحتفالات دون انقطاع حتى يحل علينا عيد العمال فى أول مايو.
٢٧ عامًا، ونحن على هذه الحال، وربما نجد دقائق لنتذكر أبطالًا ضحوا بأرواحهم ودمائهم على رمال سيناء.. ولكننا لم نحتفل أبدًا بالشكل الذى يليق بسيناء ومكانتها وأهميتها وقيمتها الاستراتيجية والاقتصادية. فنحن لم نتوقف لحظة لنراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا، ونطرح التساؤلات المهمة.. ماذا تحقق على أرض سيناء؟ وهل التنمية المحدودة التى حدثت على أرض سيناء كافية لحماية أمن مصر القومى؟ وهل تضمن لنا استمرار مبيت سيناء فى حضن الوطن؟
الحقيقة أن ٢٧ عامًا كانت كافية لتغيير وجه الحياة فى مصر كلها، وليس فى سيناء فقط.. فدول كثيرة حققت نهضة كبرى فى نصف هذه المدة.. ولكن كل ما تحقق على أرض سيناء حتى الآن ليس أكثر من نقطة مياه فى محيط، ولا يكفى أبدًا لتحقيق الأمن من جهة الشرق، ولا يعد إضافة للاقتصاد القومى.. فالتنمية فى سيناء اقتصرت على السواحل، وفى مدن محددة.. فهناك زراعات محدودة جدًا ومصنع أسمنت فى الشمال، وهناك شرم الشيخ ودهب فى الجنوب..
أما الغالبية العظمى من أرض شبه الجزيرة فخواء لا تشتم فيها رائحة تنمية على الإطلاق.. ولا أبالغ إذا قلت إن قطاع الوسط من سيناء لا يزال كما هو منذ ١٩٨٢، وأنا شاهد دائم الزيارة وشديد الارتباط بسيناء.. بل إن المشروع القومى لتنمية سيناء، الذى ينتهى نظريًا عام ٢٠١٧ بتوطين ٥ ملايين نسمة، فشل فى توطين ٣٠٠ ألف مواطن حتى الآن بخلاف ٦٠ ألف نسمة هم بدو سيناء.
والواجب يفرض علينا أيضًا إدانة كل حكومة جاءت إلى مصر منذ ١٩٨٢ على تقصيرها فى حق سيناء، بل إن وزراء بعينهم كانوا سببًا فى إهدار طاقات وأموال على أرض سيناء، تصميمًا على آرائهم الخاطئة على حساب آراء خبراء وعلماء وطنيين مخلصين..
فترعة السلام مثلًا كان مطلوبًا أن تشق وسط سيناء، باعتبارها الأرض الأكثر خصوبة من ناحية، والأحوج للتنمية من جهة أخرى.. ولكن أحد الوزراء السابقين أصر على أن يكون مسار الترعة فى الشمال مرورًا بالأرض المالحة فى سهل الطينة، بل إن مسؤولين كبارًا فى الدولة وقتذاك كانوا يتعجبون من إصراره على مسار الشمال رغم ما فيه من عيوب..
وانتصر هو عليهم بقدراته الغريبة.. والنتيجة أن ترعة السلام أصبحت كأنها لم تتم، فكان مفترضًا أن يكون مزروعًا عليها حاليا ٤٢٠ ألف فدان فى سيناء بخلاف ٢٠٠ ألف غرب القناة.. ولكن تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات أوضح أن المزروع حاليا على الترعة ٥٦ ألف فدان فقط! ولم يفكر أحد فى محاسبة هذا الوزير حتى الآن..
والغريب أن هذا الوزير المريب كان يزعم أن مسار الوسط سوف يكلف الدولة مليار جنيه إضافية، ورغم ذلك لم يمانع فى إنفاق ٧ مليارات جنيه على توشكى التى لم تنتج خيارة واحدة حتى الآن، وكأن مصر المديونة تتفنن فى الإنفاق على المشروعات الفاشلة.. وكأن المستهدف أن يظل وسط سيناء خاويًا إغراء لأى غاٍز من جهة الشرق.. ولا أدرى لماذا تصر الحكومة على تجنب العلماء والخبراء الشرفاء من كل الحسابات فى كل المجالات؟
وترك سيناء فراغًا بهذه الصورة يعد خطرًا استراتيجيًا داهمًا وتهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى.. صحيح أن لدينا قوات مسلحة مشهود لها بالكفاءة، ولكن الحصافة والحكمة والمصلحة تقتضى ألا نترك الأمر حتى تضطر القوات المسلحة للتدخل لحمايتها عسكريًا بكلفة عالية من الأرواح والدماء والأموال أيضا..
ومن أسف أننى كلما مررت من طريق وسط سيناء بين نفق الشهيد أحمد حمدى ونويبع، لا أجد أى إضافة اللهم إلا طبقة من الأسفلت كل عدة سنوات كلما التهمت الرمال الطريق، ولا أفكر وقتها إلا فى كيفية سد وسط سيناء أمام أى عدوان قادم من الشرق.
اللى فات مات، وإحنا ولاد النهارده.. فإذا كنا جادين فى مشاعرنا وعواطفنا تجاه سيناء، علينا ألا ننسى سنوات قاسية عاشتها تحت الاحتلال الإسرائيلى، وعلينا أن نثق فى أن الخطر دائم على حدود مصر الشرقية، ويزيد هذا الخطر مع تولى مجموعة من أخطر المتطرفين الإسرائيليين مقاليد الحكم فى تل أبيب.. وعلينا أن ندرك أن حسن الظن حتى بالمعتدلين منهم هو قمة الغباء.
فالعلم الإسرائيلى يعكس أن سيناء فى قلب أطماعهم.. إذا كنا نريد أن نحافظ على سيناء فعلا، فعلينا ألا نظل نتغزل فى جمال أوديتها وجبالها ورمالها وجوها وسحرها، ولكن علينا أن نبدأ ونقاتل من أجل تنميتها تنمية حقيقة تجذب إليها البشر والمشروعات حتى لا نفقدها.. فالغناء وحده لا يحقق أمنًا قوميًا ولا يمنع عدوانًا ولا يعمر صحراء سيناء الشاسعة.
نلتقى فى الذكرى ٢٨.
[i]
الخميس أبريل 15, 2010 2:22 pm من طرف hamada
» كريم عبدالعزيز:اشتقت لجمهورى
الإثنين أبريل 05, 2010 2:42 am من طرف hamada
» الوجه الجديد نهلة ذكي.. هل تتزوج المنتج محمد السبكي
الإثنين أبريل 05, 2010 2:41 am من طرف hamada
» الديلر" يعرض في شهر أبريل
الإثنين أبريل 05, 2010 2:40 am من طرف hamada
» العــدل أســاس الملك ..!!
الخميس أبريل 01, 2010 3:10 am من طرف reem
» الهرمونات الزراعيه الاسرائيليه تغزو الأسماعيليه!!!
الأربعاء مارس 31, 2010 2:43 pm من طرف reem
» الفرق بيننا وبينهم نقطة(الشيخ عايض القرني)
الأربعاء مارس 31, 2010 2:01 pm من طرف reem
» مسيلمة الكذاب و ادعاء النبوة
الأربعاء مارس 31, 2010 1:05 pm من طرف reem
» الرئيس البرازيلى: رونالدينهو لا يستحق أن يلعب فى كأس العالم
الأحد مارس 14, 2010 7:14 pm من طرف hamada